«الصندوق القوميّ اليهوديّ»... البدايات (1/2)

غابة يتير، النقب - Okedem- Wikimedia Commons

 

 

- "تشتمل الغابات الاستعماريّة على ثلاثة مكوّنات أساسيّة: أوّلًا تغطية آثار التطهير العرقيّ في فلسطين، عبر حجب دمار القرى والمدن المهجَّرة. وتأسيس تاريخ بديل للمكان، بحيث تحوّل إسرائيل الصحراء الّتي لا يسكنها أحد إلى غابة. الثالث هو إضفاء شعور الأوروبّيّ على مكان مشرقيّ، كي لا يشعر المستعمر بالغربة عن المكان"[1].

 

مقدّمة

تتميّز ’الغابات الاستعماريّة‘ عن ’الغابات العاديّة‘ في إضفاء الإرادة الإنسانيّة على مبرّرات وجودها؛ إذ تُبنى هذه الغابات لأغراض محدّدة ودقيقة، مثل الأمن، ’تجميل‘ شكل الأرض أو السيطرة عليها، وترسيم حدودها بالإضافة إلى توفير فرص عمل. وخلال الوجود الاستعماريّ الصهيونيّ في فلسطين، عملت هذه الغابات، بالإضافة إلى ما ذُكر، على إقامة المستوطنات، أو لعزل مستوطنة ما عن المحيط الفلسطينيّ.

عَمِلَتْ الغابات الاستعماريّة على بناء شخصيّة اليهوديّ المستوطن، من خلال ملامح تتّسم بالقوّة والقدرة على العمل وتملّك الأرض، أي اليهوديّ الّذي يحمل المنجل والبندقيّة ويحتلّ الأرض...

بدأت الجماعة الاستعماريّة اليهوديّة بالعمل على مستويين مختلفين، الأوّل العمليّاتيّ، أي مسح الأرض الفلسطينيّة وجمع المعلومات حول البيئة والجغرافيا والسكّان والطبوغرافيا، في سبيل ملاءمة عمليّات الاستيطان والتشجير والسيطرة الأمنيّة مع طبيعة الأرض. كما عَمِلَتْ على مستوى بناء شخصيّة اليهوديّ المستوطن، من خلال تنمية سمات القوّة والقدرة على العمل وتملّك الأرض، أي اليهوديّ الّذي يحمل المنجل والبندقيّة ويحتلّ الأرض، وهي شخصيّة سوف تنمو وتتبلور من خلال الزراعة وبناء الغابات الاستعماريّة.

عَمِلَ المستوطنون الأوائل على بناء الغابات الاستعماريّة في فلسطين قبل ظهور المشروع الصهيونيّ رسميًّا، من خلال مجموعات مثل «توشفي هموشفوت هيهوديت» (תושבי המושבות היהודית)، بالإضافة إلى «فرسان الهيكل» (הטמפלרים) (1868-1940)، في الخضيرة والجليل الأعلى وشمال الضفّة الغربيّة، ومرتفعات الكرمل، والجليل الأسفل، وقضاء يافا، وقضاء القدس، والطريق الّتي تربط بينهما. وإضافة إلى «الصندوق القوميّ اليهوديّ»، عَمِلَتْ مؤسّسات حكوميّة إسرائيليّة بين سنوات 1948-1960، وقبلها «دائرة التشجير» الاستعماريّة البريطانيّة منذ 1917 حتّى قيام دولة إسرائيل في الجليل، وعكّا، وبئر السبع، وحيفا، والقدس، بميراث استعماريّ بلغ 40 ألف دونم من الغابات. وهي مؤسّسات عَمِلَتْ على الاستيلاء على الأرض بطرق يمكن تبريرها قانونيًّا، أو فرضها أمرًا واقعًا خلال تتمّة الإجراءات القانونيّة الممتدّة على عشرات السنين غالبًا.

دفعت تلك المحاولات الأولى التشجير إلى دوائر النقاش في المؤتمرات الصهيونيّة المبكّرة، ليقرّه «المؤتمر الصهيونيّ» الخامس المنعقد في سنة 1901 مشروعًا وبرنامجًا يعمل من أجل الشعب اليهوديّ وباسمه،  أي «صندوقًا قوميًّا يهوديًّا». يترتّب على هذا البرنامج أمور مثل التجارة (في الشجر وآليّات الزراعة والمحصول والبشر)، التواصل مع ’يهود الشتات‘ وسوق عمل. إضافة إلى حاجته الدائمة لإنتاج المعرفة عن المكان، على المستوى الجيولوجيّ والبيولوجيّ للبيئة، لملاءمة أوّلًا، الأشجار مع المحيط البيئيّ للمكان، وثانيًا، التشجير مع الأهداف المطلوبة، الّتي ارتبطت في كثير من الأحيان بعامل سرعة نموّ الغابة.

على سبيل المثال، بدأ الصندوق ببناء الغابات الاستعماريّة بواسطة شجر الزيتون لفائدته الاقتصاديّة، وأقيمت «نقابة جمع تبرّعات أشجار الزيتون» لهذا الغرض. حافظ شجر الزيتون على ثقله في بناء الغابات الاستعماريّة حتّى عام 1912، مع تغيير جذريّ في نوع الأشجار على يد مَخاس بودنهايمر واورتر شمعون روبين، (شغل منصب رئيس «الوكالة الصهيونيّة»)، اللذين شكّلا عاملَي الربح الماليّ الآنيّ (إذ يُعتبر ربح الزيتون بطيئًا في عودته على المستثمر)، إضافة إلى السرعة المطلوبة في إقامة الغابات، أهمّيّة كبيرة لديهما.

 

الصندوق من منظور تاريخيّ

يُكتب اسم الصندوق باللغة الإنجليزيّة (Jewish National Fund)، أي «الصندوق القوميّ اليهوديّ»، وهو الاسم الّذي تَتَوَجّه به الجماعات الصهيونيّة إلى يهود الخارج، طلبًا لمساهمتهم في بناء الأمّة اليهوديّة. وتعود تسميته العبريّة «كيرن كييمت ليسرائيل» (קרן קיימת לישראל) إلى العبارة "אוכל פירותיהם בעולם הזה – והקרן קיימת לו לעולם הבא"، الّتي تعني "ما نأكل من ثمارها اليوم، ستدوم إلى الأجيال المقبلة". وهي التسمية الّتي سوف تُستخدم بعد قيام دولة إسرائيل. تشكّل ’الأجيال القادمة‘ مسألة جوهريّة في سرديّة المستعمرين الاستيطانيّين اليهود وخطابهم؛ ممّا يميّزهم عن المستعمرين الكلاسيكيّين، الّذين يتوجّهون إلى السكّان الأصليّين بعبارة "اعمل من أجلي"، بينما يستخدم المستعمرون الاستيطانيّون عبارة "اذهب من هنا".

الاستعمار الاستيطانيّ وُجد ليبقى مجتمعًا مادّيًّا مبنيًّا على أشكال مختلفة من التبادل، له روايته وتصوّره الخاصّان عن المكان، اللذان يفترضان نفي السكّان الأصليّين من أرضهم، وإحلال مجتمع المستعمرين مكانهم. يكتب عبد الوهّاب المسيري عن التراتبيّة والتشابه في بناء السرديّات الاستعماريّة الاستيطانيّة، وتعامل المستعمرين مع تاريخ المكان كتاريخ وجودهم فيه، من خلال تبنّي ’السرديّة‘ بوصفها إعادة إنتاج وجود المستعمرين نظريًّا، إذ لا تاريخ للمكان خارج تاريخ وجودهم فيه.

الاستعمار الاستيطانيّ (...) له روايته وتصوّره الخاصّان عن المكان، اللذان يفترضان نفي السكّان الأصليّين من أرضهم، وإحلال مجتمع المستعمرين مكانهم...

تقع أهمّيّة الصندوق التاريخيّة في اعتباره أداة الصهاينة لتخيّل أنفسهم كأمّة، أي بوصفه جسمًا يربط بين اليهود في أنحاء العالم، وأرض إسرائيل، وكيان الدولة. لقد اشتغل الرئيس الأوّل للصندوق يونا كرامانتسيكي (1902-1907)، على تأريخ آليّات العمل المتّبعة والمتبرّعين والمستثمرين في الصندوق، ضمن مسعاه لتجميع أكبر عدد من الصهاينة ورؤساء الأموال لتمويل الصندوق (لناحية الاقتصاد والعامل البشريّ)، من خلال تأسيس ثلاث ركائز أساسيّة، هي، أوّلًا، الكتاب الذهبيّ، وهو محاولة لتأريخ أسماء المستوطنين الّذين ساهموا بشكل أساسيّ في تمويل «الصندوق القوميّ اليهوديّ» وبنائه، ضمن مسعى اليهود لبناء أنفسهم كأمّة، يُعتبر هؤلاء ’الآباء المؤسّسين‘. ثانيًا، تجميع طوابع البريد الخاصّة بـ «الصندوق القوميّ اليهوديّ». ثالثًا، الصندوق الأزرق لجمع الأموال من اليهود في أنحاء العالم.

 بتعبير مختلف، يتوجّب علينا التعامل مع الصندوق الدائم لإسرائيل كجزء عضويّ في عمليّات العلمنة الّتي أدّتها الجماعة الصهيونيّة الاستعماريّة خلال بناء دولة إسرائيل. إذ عملت الجماعة الصهيونيّة على بناء «صندوق المرضى العامّ» بعد عقد من بناء «الصندوق القوميّ اليهوديّ» (1911)، كما هي بداية بناء المراكز الأكاديميّة والجامعات («الجامعة العبريّة» سنة 1918) بمساعدة الصندوق نفسه، وهي عمليّات، بذاتها، تشكّل تحوّل اليهوديّة من دين إلى قوميّة.

 

عمليّات العلمنة

تداخلت ’عمليّات العلمنة‘ الّتي أدّتها الجماعة الصهيونيّة على المستويين التاليين، أوّلًا، مَنْحُ الصندوق أراضي البناء والتمويل المادّيّ للمؤسّسات الصهيونيّة والمستوطنات، وهو ما نسمّيه ’التداخل التقنيّ‘. ثانيًا، تأثّر أداء الصندوق بالموجات الاستيطانيّة الكبرى. للاختصار أقول: سوف نتعامل مع التشجير والاستيطان كمكوّنين داخل المشروع الصهيونيّ يؤثّران في بعضهما بعضًا، فضلًا على تشابكهما وتداخلهما العمليّاتيّ. مستوًى آخر سوف نعالجه هو الأيديولوجيّ متمثّلًا في عقائد ’تنمية البيئة‘ أو ’غزو البرّيّة‘ أو ’فرض الوقائع‘، بالإضافة إلى بناء شخصيّة اليهوديّ المستوطن.

 

بناء مجتمع المستعمرين

فتحت عمليّات التشجير فصلًا جديدًا في دورها داخل المشروع الصهيونيّ سنة 1905، عندما بدأت أوّل عمليّات التشجير في القدس. عندها حضر منطق التوسّع، أو الطبيعة التوسّعيّة للمشروع الصهيونيّ في «الصندوق القوميّ»، من خلال العمل على الاستثمار في الأراضي الّتي استولى عليها، عبر إقامة مشاريع استيطانيّة، وبداية بناء ’الوعي الصهيونيّ‘ عند اليهود تجاه ’أرض إسرائيل‘، أي الاستثمار في المباني الثقافيّة والتربويّة مثل المدارس («هجيمنسيوت جمنتسيا» (הגימנסיות גמינציה)، وهي شركة مدارس في تل أبيب والقدس).

في القدس بدأ الاهتمام ببناء المؤسّسات التربويّة على أراضٍ عرّفها الحكم العثمانيّ كأراضي موات (أراضٍ غير صالحة للزراعة، وتصبح ملك الدولة بعد مرور 10 سنوات دون إثبات أحد لملكيّته عليها). هكذا بُنيت مدرسة الفنّ «بتسلئيل». بعد ذلك بعام، عَمِلَ الصندوق على توسيع دور بناء المؤسّسات التربويّة والثقافيّة، وبات يؤدّي دور المموّل للمشاريع. إذ مدّ الصندوق 250,000 ليرة لإقامة (אחוזת בית)، وهي الجماعة الّتي ستعمل على بناء مدينة تل أبيب ثلاثة أعوام بعد مساهمة الصندوق في تأسيسها. وبذات الدور الوظيفيّ موّل الصندوق إقامة «هرتسليا الأولى»، «هدار الكرمل في حيفا»، وتأسيس المدرسة الزراعيّة «كريات سيفر» في ’بن شيمن‘ لتعليم الأيتام والمضطربين الروس على الزراعة.

بعد عقد من التأسيس، شَرَعَ الصندوق في التواصل مع يهود الخارج. في ألمانيا جرى التوصّل إلى اتّفاق مع «شركة عِزا» لإنشاء معهد للعلوم التكنولوجيّة. بناءً على الاتّفاق سيسيطر الصندوق على أراضٍ في مرتفعات الكرمل، الّتي ستتحوّل لاحقًا إلى حجر أساس في بناء «معهد إسرائيل للتكنولوجيا – التخنيون». بشكل شبيه، جرى الاتّفاق على بناء جامعة في «المؤتمر الصهيونيّ» الحادي عشر في فيينّا في سنة 1913؛ إذ أقرّ المؤتمر دور الصندوق بالسيطرة على أراضٍ ستُبنى عليها الجامعة الأولى في أرض إسرائيل لاحقًا.

لم تقتصر عمليّات التواصل على الاتّجاه "من الداخل إلى الخارج"، بل ساهمت رحلات المستعمرين والمستشرقين في توسيع دائرة عمل الصندوق. في رحلة للمستشرقين إلى شمال فلسطين في سنة 1909، بقيادة الجيولوجيّ الألمانيّ بلانكورن وعالِم النبات آرون آرونسون، اكتُشف - بناءً على الرواية - أوّل عنصر من القمح البرّيّ.

بفضل الاكتشاف، استطاع الصهاينة جمع مبالغ ماليّة من الولايات المتّحدة لبناء محطّة تجريبيّة ومختبر للأبحاث الزراعيّة. تعمل هذه الإستراتيجيّة الصهيونيّة على خلق ذرائع علميّة للاستيطان، إذ يحصل العلماء على براءة اكتشاف بيئيّ أو زراعيّ أو أركيولوجيّ، ويطلبون من السلطات المكوث حتّى نهاية الأبحاث واستكمال عمليّة الاكتشاف، وهي فترة قد تمتدّ إلى 15 سنة، لتصبح المستوطنة أمرًا واقعًا بعد إنهاء الأبحاث العلميّة. في هذه الأثناء، يجلب ’العالم‘ عائلته للبقاء معه خلال مدّة إجراء البحث. والعائلة بدورها تحتاج، على سبيل المثال، إلى مدرسة وعيادة وبنية تحتيّة من ماء وكهرباء. في عام 1910 موّل «الصندوق القوميّ اليهوديّ» شراء أرض المحطّة الزراعيّة في ’عتليت‘، وساعدت أيضًا في تشغيلها. في 1912 أقام الصندوق مختبرًا زراعيًّا آخر في ’بن شيمن‘.

 

الأصول الأوروبّيّة، ملامح من الأيديولوجيا الصهيونيّة

"صراع الصهيونيّة مع أوروبّا صراع خارجيّ لا تناقض فيه؛ فهي تدير ظهرها لأوروبّا ليكون بإمكانها أن تمثّل أوروبّا أمام الشرق؛ فخارج أوروبّا تسنح لها الفرصة الّتي طالما تاقت إليها بأن تصبح أوروبّيّة"[2]

في مركز خلاص الشعب اليهوديّ، عبر نفيه خارج أوروبّا إلى أرض فلسطين، حضرت الذهنيّة الأوروبّيّة - أو أصول المستعمرين الأوائل - بشكل مكثّف من عمر الصهيونيّة المبكّر، لكونها محرّكًا رئيسيًّا في تشجير الأرض، ضمن عمليّة ’تحديثها‘ ونشوء عمليّات الاستنساخ للغابات في أوروبّا، حتّى لا ينقطع شعور المستعمر الأوروبّيّ بأوروبّيّته.

بدأ «الصندوق القوميّ اليهوديّ» بإطلاق عمليّات التشجير مع تأسيسه في بدايات القرن الماضي، في خلدة، وهي القرية الّتي تربط الرملة بالقدس وغزّة، وفي ما يعرف اليوم بـ ’بن شيمن‘، وهي غابة ممتدّة على 21 ألف دونم، وتقع بها أوّل غابة استعماريّة «تيودور هرتزل» (Theodor Herzl)، والعديد من المختبرات والمحطّات الزراعيّة. في الشكل الأوّل للتشجير يظهر التداخل بين الأيديولوجيا والتفكير العمليّاتيّ، إذ يعود التفكير في التشجير، بوصفه أداة ربط بين أرض إسرائيل والأرض الأوروبّيّة، إلى زيارة هرتزل في سنة 1898 إلى فلسطين، ممّا أدّى إلى كتابة الهدف على رأس أوّل مشروع يطلقه الصندوق للتشجير في سنة 1904، ضدّ ما اعتبره ’فقر الغابات بالأرض‘، بالإضافة إلى التفكير في التشجير كأداة جمع الأموال وسوق عمل، يمكن من خلاله تشغيل المستوطنين والتجارة بثمار الأشجار.

صاغ «الصندوق القوميّ» ملامح المجتمع وشكله ليلائم شكل المجتمع الأوروبّيّ مطلع القرن العشرين، منذ مرحلة التأسيس. يقول يوسف وايتس (1890-1972)، وهو أحد قادة «الصندوق القوميّ اليهوديّ»، ومدير دائرة أراضيه، أو ما يمكن اعتباره الإيقاع الناظم لأداء الصندوق وتطوّره في مجالات الهيمنة على الأرض، الاستيطان، وأمننة الغابات: "كانت ’تنمية البيئة‘ العامل الرئيسيّ في احتلال الأرض". ترتكز هذه العقيدة، ’تنمية البيئة‘، ضمن جملة ما ترتكز عليه، على كون الجيل الأوّل من المستوطنين في فلسطين مهاجرين من أوروبّا الشرقيّة، حيث الأرض مغطّاة بأشجار الصنوبر واللوز، وبالتالي على المستوطنين نقل الغابات الأوروبّيّة إلى فلسطين واستنساخها، حتّى يكتمل شعور سيطرة المستوطنين على المكان. يقول البيلاروسيّ عكيفا أتينجر، مدير «دائرة الاستيطان» (الزراعيّة) التابعة لـ «المنظّمة الصهيونيّة»، (الّذي عمل على تأسيس مستوطنة ’كريات أربع‘ سنة 1920، بواسطة التشجير على مرتفعات القدس، وكان مدير «دائرة الأراضي» في سنوات 1924-1932 التابعة للصندوق)، يقول خلال زيارته أرض فلسطين:

حضرت الذهنيّة الأوروبّيّة بشكل مكثّف من عمر الصهيونيّة المبكّر، لكونها محرّكًا رئيسيًّا في تشجير الأرض، ضمن عمليّة ’تحديثها‘ ونشوء عمليّات الاستنساخ للغابات في أوروبّا...

"قلبي يتألّم لفقر الغابات في الأرض. سنعمل على تحويل هذه الأرض إلى أرضٍ أوروبّيّة، الّتي تغطّي 30% من مساحتها الغابات والأشجار. هل سننجح في هذا؟ على الأقلّ، سنترك هذا الإرث للأجيال القادمة لاستكماله إذا لم ننجح نحن".

في ذات السياق، أي بناء مجتمع المستعمرين على مستوى الرواية الرسميّة، والتواصل الروحيّ والمكانيّ مع أوروبّا، وتخليد شخصيّات ’الآباء المؤسّسين‘، أطلق الصندوق على الغابات الاستعماريّة أسماء المستوطنين الأوائل، والمقاتلين، وغيرهم من رموز الأمّة مثل العلماء، أينشتاين مثلًا، أو للتعبير عن الانتماء والارتباط بأوروبّا، من خلال تسمية الغابات على أسماء شخصيّات أوروبّيّة تاريخيّة أو دول أوروبّيّة، مثل وزير المستعمرات تشرتشل أو جورج الخامس أو غابة كندا. تشكّل الغابات المزروعة في القدس لغرض الذكرى والتخليد، ما يعادل ثُلث هذه الغابات، بينما يقع في مرج ابن عامر خُمس هذه الغابات.

 


إحالات

[1] إلياس خوري، فلسطين تحت فلسطين، مجلّة الدراسات الفلسطينيّة، ع 128 (خريف 2021).

[2] عزمي بشارة، مئة عام من الصهيونيّة، من جدليّة الوجود إلى جدليّة الجوهر، مجلّة الكرمل، عدد 53 (خريف، 1997). 


 

جمال مصطفى

 

 

 

من كفر كنّا في فلسطين، دَرَسَ الفلسفة والفيزياء، وهو عضو «جفرا – التجمّع الطلّابيّ» في «جامعة تل أبيب»، يكتب المقالة السياسيّة والثقافيّة.